-->

بسم الله والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين

اخر المواضيع

فلسطين : التاريخ الحقيقي للأرض المسلوبة



dourouby.tn

dourouby.tn


فلسطين : التاريخ الحقيقي للأرض المسلوبة

dourouby.tn

 

الخلاف السياسي والتاريخي والمشكلة الإنسانية في فلسطين بدأت من عام 1897 (المؤتمر الصهيوني الأول) وحتى الوقت الحالي. حيث بدأ الصراع العربي الصهيوني عندما نشأت الصهيونية وبدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والاستيطان فيها، ودور الدول العظمى في أحداث المنطقة. كما تتمحور القضية الفلسطينية حول قضية اللاجئين الفلسطينيين وشرعية دولة إسرائيل واحتلالها للأراضي الفلسطينية بعدة مراحل .

غالباً ما تكون الدول العظمى في العالم منخرطة في هذا النزاع نظراً لتمركزه في منطقة حساسة من العالم وارتباطه بقضايا إشكالية تشكل ذروة أزمات العالم المعاصر، مثل الصراع بين الشرق والغرب، علاقة الأديان اليهودية والمسيحية والإسلام فيما بينها، علاقات العرب مع الغرب وأهمية النفط العربي للدول الغربية .

في أواسط 1880، قامت الحركة الصهيونية في أوروبا بتكوين مجموعة «عشاق صهيون» (المؤتمر الصهيوني الأول كان في بازل عام 1897). طالبت هذه الحركة بإقامة دولة خاصة باليهود، ورأى العديد من الصهاينة أن موقع هذه الدولة يجب أن يكون في مكان الدولة التاريخية اليهودية، المنطقة التي تعرف باسم فلسطين. كانت فلسطين حينئذ جزءاً من الدولة العثمانية وتحظى بحكم محلي (ولاية)، وكانت المنطقة مأهولة بالفلسطينيين العرب بشكل رئيسي (ظل اليهود يشكلون نسبة أقل من 8% حتى عام 1920).

لاقى هذا المشروع الصهيوني غضباً شعبياً عم كل فلسطين، ورفضاً قاطعاً من كل الشخصيات السياسية آنذاك...أما بالنسبة للدول الغربية فقد رحبت بالمشروع الصهيوني في فلسطين، فتلقى المشروع دعماً مالياً وعسكرياً ولوجستياً من دول كبرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا. والتي رأت في كون الدولة العبرية التي يطمح الصهاينة لإنشائها في فلسطين، حماية لمصالحها في المنطقة.

أعلن الشريف الحُسين بن علي الثورة ضد الأتراك باسم العرب جميعاً... وقد وعدت الحكومة البريطانية العرب من خلال مراسلات الحسين – مكماهون (1915) بالاعتراف باستقلال العرب مقابل إشراكهم في الحرب إلى جانب الحلفاء ضد الأتراك.إلا أن بريطانيا نقضت عهدها للعرب، وتمت المصادقة على اتفاقية سايكس بيكو ومن ثم وعد بلفور لتكريس الوجود الصهيوني في فلسطين، وفصل الأخيرة عن محيطها العربي.

فلسطين


بوادر تسلل الصهاينة اليهود الى فلسطين بدأت مع الثري البريطاني، يهودي الديانة، السير "موسى مونتيفيوري" إلى فلسطين عام 1827 الذي ذهب الى هناك لاستكشاف وضعية اليهود بفلسطين فوجد نحو 500 يهودي في حالة مُريعة من الفقر والانحطاط، مُوزَّعين بين تل القاضي شمالا وبئر السبع جنوبا،مما دفعه للتوجُّه إلى الباب العالي للدولة العثمانية، طالبا الإذن بتشييد عدد من الملاجئ لإيواء هؤلاء .
تمكَّن "مونتيفيوري" سريعا من تملُّك أول قطعة أرض يهودية في فلسطين، "نتيجة تدخُّل بريطانيا لدى السلطات العثمانية، ليُصدر السلطان فرمانا سنة 1849 يُجيز لليهود شراء الأراضي في الديار المقدسة...فقام"مونتيفيوري" بتشييد أول مستعمرة يهودية على أرض تقع خارج سور البلدة القديمة بالقدس لتكون تلك نواة أول حي يهودي في فلسطين.

في نهاية الحرب العالمية الاولى ومع هزيمة الدولة العثمانية (على راسها سلطان تركي) وتفكيكها الى دويلات التي وزعت على الحلفاء فقد فازت بريطانيا من بينهم بالسلطة على فلسطين عام 1918 ولذلك يذكرلنا التاريخ في هذا الصدد رسالة رئيس الوزراء البريطاني "آرثر جيمس بلفور" -ذائعة الصيت- التي أرسلها بتاريخ 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 إلى اللورد اليهودي "والتر دي روتشيلد" -أحد أضلاع عائلة روتشيلد الثرية- يُشير فيها إلى تأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، قائلا فيها: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية".

كان الأمر عصيا على التصوُّر، فحتى هذا العام كان تعداد اليهود في فلسطين -بعد الهجرة المفاجئة- يبلغ 50.000 يهودي، بواقع 7.2% من إجمالي عدد السكان، يمتلكون نحو 2.4% فقط من أراضي فلسطين، فأي وطن لهؤلاء؟

الفلسطينيون هم مَن باعوا أرضهم لليهود. تلك الدعاية التي ملأت الأرجاء بين كثير من العرب قبل أن يتشدَّق بها اليهود، فكيف لنا أن نتعامل مع هذا الادعاء؟

في القرن التاسع عشر، وبنظرة خاطفة على أراضي فلسطين العثمانية، سنجد أن غالبيتها أراضٍ صحراوية تجاور أرضا سهلية عامرة وحقول الفلاحين البسطاء، تلك التي تحيط بقراهم مشاعا للجميع: الكل يمكنه العمل بها، والكل ينتفع بقِطعها على مر السنين.هذا المشاع الذي شكَّل 70% من الأراضي الفلسطينية حتى عام الانتداب، كان يُوزَّع عن طريق قرعة بين السكّان القرويين في كل دورة؛ لتستفيد بزراعتها أسرة غير التي سبقتها، وهكذا كانت تدور الأرض بينهم، دون بيع أو شراء أو سندات للملكية، وهو ما لم يُرضِ الدولة العثمانية كثيرا؛ حتى أصدرت قانون الأراضي العثماني عام 1858، متبوعا بنظام الطابو عام 1859، اللذين "أكَّدا وجوب تسجيل الأرض الخاصة على اسم مستعملها ومالكها".

لم يَرُق الحال بالطبع للفلاحين حينها؛ لأنهم وجدوا أنفسهم، أمام ثلاثة مآزق لا فِكاك منها -في حال التسجيل بالطابو-؛ أولها هو تعرُّض أبنائهم للتجنيد العسكري، الذي كان أحد مسببات الذعر الاجتماعي لديهم؛ لأن امتلاك سندات الطابو يُعَدُّ مؤشرا على قدرة القرية على الإمداد البشري عند الحرب.وثانيها هو العجز الاقتصادي أمام رسوم الطابو ومستحقاته من الضرائب، وآخرها هو عدم الثقة في الدولة التي ألغت نظام التسجيل بنظارة الأوقاف؛ لتمنع الفلاحين من وقف أراضيهم تهرُّبا من التسجيل، وتفعيل دور المحاكم التي حُظِر عليها النظر في أي دعوى لا يمتلك صاحبها سند طابو رسمي.تلك الأسباب الثلاثة أرغمت الفلاحين على التملُّص بصورة جماعية وعنيدة من قانون الطابو، مما أدخلهم منزلقا خَطِرا تهدَّدت فيه حيازتهم للأراضي التي لم يعد مشاعها مُعترفا به أو يضمن لمستعملها حقه.وأُفسِح المجال إلى استغلال الرأسمالية الذي سيؤول -بعد مجموعة من التحوُّلات- إلى "تفكُّك جغرافي-ديموغرافي للريف، تمادى في كسر جميع أشكال المشاع...حيث لم تتركَّز ملكية الأراضي الريفية إلا في أيدي قلة من الموسرين القادرين على القيام بأعباء الأرض الجديدة، وقد انحصر الأمر هنا -خاصة بعد صدور قانون تملك الأجانب سالف الذكر- في ثلاث فئات كبيرة من الملّاك: الرأسمالية المحلية لأثرياء فلسطين، والرأسمالية العربية للعائلات الكبرى، التي كان جلها من لبنان وسوريا، والرأسمالية الأوروبية الصهيونية بنسبة أقل وتحوُّلات أكثر نشاطا من ذي قبل.هذه العائلات نمَّت ثرواتها من خلال نهب الفلاحين والتزام الضرائب وتجارة المال والمُراباة كما عمل بعض أفرادها المشرفين على أملاك الوقف وتوارثوا العمل بها حتى باتت محل إقامتهم وملكا لهم مع الزمن. 

وقد استطاعت عائلات شامية ولبنانية أن تستحوذ على مساحات شاسعة من أراضي فلسطين ولكن تبقى عائلة "سرسق" اللبنانية، المنحدرة من الروم الأرثوذكس، صاحبة النصيب الأكبر والدور الأبرز في تحويل هوية الأراضي فيما بعد من كونها عربية إلى يهودية مُتسلِّلة، حسب رواية "إميل الغوري" بأنهم باعوا نحو 400 ألف دونم لليهود، بما فيها ملكيتهم في مرج بني عامر .أما صغار الملاك من الفلاحين، فقد لعبت المُراباة دورا فاعلا في خسارتهم أرضهم، بعدما رهنوها إلى أثرياء المدن الكبار، الذين راحوا يغرون الفلاحين بتسهيلات مادية في الإقراض، خاصة في أوقات الضرائب، بصورة متراكمة عاما تلو الآخر حتى لم يجد هؤلاء المساكين بُدا من التفريط في أرضهم لقاء ما عليهم من الديون، غير أنهم بقوا فيها على سبيل العمالة، في امتياز لن يتيحه اليهود لهم عندما تُبسَط سلطتهم على الأرض.كما ساهم تدخُّل الدولة في نوع آخر من انتقال الأرض إلى الأثرياء حين نقلت إلى حيازتها ما اعتبرته أراضي زائدة عن حاجة القرى -من الأراضي المشاعية-، إضافة إلى الاستيلاء على مساحات شاسعة من مشاع القرى البدوية الزراعية في الجنوب بذريعة عدم سداد بدل الطابو أو الضرائب المستحقة، مما يتبعه، بعد ذلك، عرض مباشر لتلك الأراضي في المزاد العام، ومن ثم انتقال ملكيتها للأثرياء وحدهم.هذا المأزق للفلاح، مع الانفتاح الآخر لطبقة الأثرياء، قابله على الجانب الآخر تغوُّل رأسمالي آخر لرأس المال الصهيوني ونشير هنا للصهيونية العملية المبكرة، فيما قام به "مونتفيوري" وغيره من الرأسماليين كالبارون الفرنسي "إدموند روتشيلد" أغنى أغنياء اليهود، الذي أسَّس أول مدرسة زراعية على أرض قرية "يازور" في يافا بعدما نال حق استئجارها لتسعة وتسعين عاما بفرمان عثماني آنذاك.موازاة لذلك برزت "الصهيونية العملية المتطورة" ذات التوجُّه ورأس المال السياسي، القائم على الاستيطان البطيء، والفعال على المدى البعيد وقد هدف هذا النوع إلى تحقيق الارتباط للمستوطنات القديمة لكون تشظّيها الحالي يعوق حلم الوطن القومي المنشود لليهود المشتتين في العالم اجمع...

مع هذا، ومع شدة إغراءات المؤسسات اليهودية للملاك من العرب أو حتى الأراضي المُستأجرة لأمد طويل من الحكومة العثمانية -وفق قانون الأجانب-، لم تتعد ملكية اليهود حتى إحلال الانتداب البريطاني للحكم العثماني عام 1914 أكثر من 245.581 دونما، بواقع 1% تقريبا، من مساحة فلسطين الكلية..ولهذا كان للانتداب رأي آخر بمضاعفة هذا الرقم.

 بدأت السلطة الاستعمارية العمل في اتجاهين متوازيين: تطوير شبكة المواصلات والاتصالات، وبناء جهاز مالي لتمويل نشاطاتها محليا، فتتمكَّن بسبب الاتجاه الأول من حصر ومسح جميع الأراضي والقرى -ومن ثم تحويل ما يمكنها تحويله إلى الملكية اليهودية-، وتستطيع من خلال التطوير الثاني أن تدعم نشاطاتها المحلية في تعزيز الجهد الاستيطاني والتوجُّه نحو فلسطين يهودية..وقد نتج هذا النموذج عن غياب إدارة التنمية الوطنية التي تُمثِّل الأغلبية السكانية العربية في فلسطين أثناء تلك الحقبة، إذ نحت الحكومة إلى تهميش أي وجود عربي، بل ودعم المشروعات الصهيونية على حساب المشروعات العربية،فكانت ميزانية فلسطين تُعَدُّ في لندن ويُوافَق عليها وتُعتَمد من قِبَل وزير المستعمرات البريطاني -"ونستون تشرشل" في ذلك الحين- بدون الرجوع إلى أي جهة تُمثِّل أهل فلسطين.

بعد إثقال كاهل الفلاحين بالضرائب، بدأت الحكومة الانتدابية في سن قوانين أخرى لمنظومة الأراضي فقد أصدر السير "هربرت صموئيل" خلال توليه منصب المندوب السامي، وفي أقل من عام، عدة القوانين التي ألغت كل النظم العثمانية التي حالت بين اليهود وامتلاكهم الأموال غير المنقولة -العقارات والأراضي- في فلسطين.وتأتي قوانين نزع الملكية مثالا دراماتيكيا وواقعيا على وعد "بلفور"...تبعت هذا القوانين عدد من القوانين الأخرى، كقانون الغابات في مارس/آذار 1926 الذي خوَّلت المادة الثالثة منه المندوب السامي من وضع يده على أي غابة ليست من الأملاك الخاصة تحت إشراف الحكومة بوصفها غابة محفوظة وقانون تسوية حقوق الملكية الذي أعقبه بعامين، والقاضي بأحقية المندوب السامي في تسوية حقوق الملكية في الأراضي الواقعة في أي منطقة وتسجيلها وقد نتج عنه تسوية الملكية في 107 قرية نهائيا وخروج أراضيها من المشاع، في حين بقيت المساحة الأعظم من فلسطين غير مسوّاة، لكن يبدو من اللافت للنظر أن التسوية تمركزت في السهول الساحلية بعيدا عن المناطق الجبلية والصحراوية التي لا يشتري فيها اليهود.....بهذه الحزمة من القوانين، زادت بريطانيا من سيطرة الحكومة على الأراضي الأهلية الفلسطينية.

dourouby.tn

ليست هناك تعليقات

-- --